تُصِّر منظمة هيومن رايتس ووتش، في الجزء المخصص لحقوق الإنسان بالمغرب والصحراء المغربية، في تقريرها لسنة 2021، على انخراطها المستمر في حملة سياسية ممنهجة مضادة لبلادن من خلال تقديم معطيات، تفتقد لسندها الواقعي والقانوني، مناقضة في ذلك منهجها، الذي لطالما ذَكًّرت به والقاضي، بالتحقيق بدقة في الانتهاكات وكشف الحقائق على نطاق واسع. ومرة أخرى تُخالف منهجها. وبيان ذلك، تبعا لعناوين تقريرها، كما يلي:
نظام العدالة الجنائية
تَتَعسف منظمة الووتش، وبصفة مسبقة وممنهجة، بخصوص دور القضاة وسير أعمال المحاكمة، من خلال الادعاء بشرعنتهما لادعاءات “الإكراه والخداع فيما يتعلق بتوقيع المحاضر”، دون تقديم معطيات مستقاة من ملاحظتها، لسير المحاكمات أو من قراءة رصينة للأحكام والقرارات القضائية، أو من ملاحظة مهنية صادرة عن غيرها. وقد ضربت صَفْحاً عن كل ذلك، في الوقت الذي ظلت فيه جلسات المحاكم، علنية، وفي ظل إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لتقارير وبيانات ملاحظة جديرة بالاعتبار. وكان يليق بمنظمة دولية، تدعي الكشف عن الحقائق، أن تبحث عن المعطيات، من مصادر متنوعة. والحال أنها اختارت الطعن السياسي.
وفيما يتعلق بالتعرض لنظام العدالة الجنائية، فإن ما يخوله قانون المسطرة الجنائية الحالي من ضمانات، فهو تعبير عن مسيرة تقدم احترام حقوق الإنسان في بلادنا، وانعكاس لتفاعلها مع التزاماتها الاتفاقية الدولية. أما تطوير هذا النظام على مستوى الضمانات القانونية، فهو من صميم أعمال السيادة الوطنية ومباشرته متوقف على توجهات السلطة التنفيذية وما سيقرره البرلمان. وبالنتيجة فإن التطاول السياسي، لمنظمة الووتش على نظام العدالة الجنائية المغربي مرفوض من الأصل.
حرية تكوين الجمعيات
تُواصل منظمة الووتش، نهجها السياسي المضاد، حيث أفردت فقرة لجمعية اعتبرتها أكبر مجموعة حقوقية، تمت إعاقة عملها، من خلال، رفض السلطات تيسير المعاملات الرسمية لفروعها…
وهكذا ومرة أخرى، لا يقدم تقرير منظمة الووتش، أية معلومات، تبين دقة الانتهاكات ونشر الحقائق المتعلقة بها، بحيث لم تُفصح، أولا، عن معطيات توثيقية كفيلة بتبرير مزاعمها، ولم تقدم ثانيا، ما يثبت قيام الجهة المتضررة بمساعيها من أجل التمتع بما يضمنه القانون أمام السلطة الإدارية المعنية، كما لم تقدم ثالثا، ما يفيد مباشرة الطعن أمام القضاء الإداري. وتؤكد المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، بالمناسبة، أن مسؤوليها السابقين، ومنذ ثلاث سنوات، وفي إطار المساعي، طالبوا، بناء على نتائج اجتماع رسمي، مَدَّهُم بالمعلومات المتعلقة بحرمان الجمعية المذكورة من حقها في تسلم وصولات الإيداع القانونية، ولم يتلقوا، أي معطيات حول الموضوع. ولا يسع المندوبية الوزارية، بالمناسبة، إلا أن تجدد نفس الموقف. وفي جميع الأحوال، وانسجاما مع ما ذهب إليه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بخصوص الاحتكام للقضاء الإداري وما اتجهت إليه مؤسسة وسيط المملكة، بشأن احترام الأحكام القضائية، ورفعا لكل غموض وإبعادا للملف من الاستغلال السياسوي وتقيدا بالمبادئ الدستورية، بشأن الحرية والمسؤولية والتعددية، يبقى القضاء الإداري المغربي، وحده الكفيل، بالفصل في ادعاءات من هذا النوع، قطعت معها بلادنا، منذ أزيد من ثلاثين سنة، ومرة أخرى يتبين نهج منظمة الووتش، المطبوع بالاستغلال السياسي والانتقائية وعدم الالتفات لمعطيات البيئة الوطنية التي تعطي لنفسها الحق في تقييمها.
وتعلن المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، بالمناسبة، أنها ستطلق قريبا، بوابة إليكترونية، تخص استقبال وتلقي وتتبع ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، التي تَعَرَّض لها تقرير الاستعراض الخاص للمندوب الوزاري، الصادر نهاية السنة المنصرمة. وستلتزم المندوبية، في نطاق صلاحيتها وحدود تدخلها وفي إطار الشفافية، وفضلا عن استقبال الطلبات والشكايات، بتتبع استكمالها وعرضها على السلطات والمؤسسات الدستورية المختصة وتضمين ما يتعلق بها بمناسبة تقرير الاستعراض الخاص الذي سيصدر في نهاية السنة.
حرية التعبير
تَعَرَّض تقرير منظمة الووتش لموضوع حرية التعبير من زاويتين، الأولى، وتتعلق بما راج وَسُمِّي باختراق هواتف بعض الأشخاص والتجسس عليهم، والثانية، وتخص العودة لملفات، بت القضاء في بعضها وأخرى ما تزال جارية أمام أنظاره.
تُكَرِّر منظمة الووتش بخصوص الموضوع الأول، ودون إيلاء أي اعتبار، لمنهجية كشف الحقائق التي تدعيها، ما يتعلق بموضوع قَدَّمت فيه بلادنا ما يكفي من التوضيحات، كما اتجهت فيه إلى القضاء. لقد صرح رئيس الحكومة في مرحلة أولى، أن منظمة العفو الدولية، مطالبة بتقديم الأدلة المادية والخبرة العلمية المدعاة وفي مرحلة ثانية رَاسل الأمينة العامة بالنيابة، طالبا منها الإدلاء بما يثبت صحة المزاعم والافتراءات الواردة في تقريرها حول الموضوع. ولم تقدم ما يدعم ما ادعته من افتراءات. واحتكاما للعدل، عَرضت بلادنا، الأمر على أنظار القضاء على المستوى الدولي. وهكذا ومرة أخرى، وبدلا من الكشف عن الحقائق والتدقيق فيها، وعرضها في إطار الموضوعية، اختارت منظمة الووتش، الطريق السهل بانخراطها في حملة سياسية مضادة لبلدنا.
أما ما يتعلق بالملفات المعروضة على القضاء والتي تمس صحفيين في نطاق جرائم الحق العام، ترفض المندوبية الوزارية بصفة قطعية الرد على هذا الجانب، لأن التقرير في المنازعات والبت فيها، يجري داخل المحاكم، بين أطراف الخصومة، في نطاق ضمانات المحاكمة العادلة، وبملاحظة الجهات المؤهلة للقيام بذلك أو في إطار التعقيب الرصين على الأحكام والقرارات القضائية. ومع الأسف الشديد تظل منهجية الووتش ومقاربتها للموضوع بعيدة كل البعد عن هذه التقاليد والأعراف المستقرة في الأدبيات الحقوقية الدولية. وبالنتيجة ستظل ادعاءاتها في هذا الباب ورقة من أوراق المزايدة السياسية لا غير.
الصحراء المغربية
تُجَسد الفقرات الواردة في تقرير منظمة الووتش بخصوص الصحراء المغربية، أكبر حجة على انخراطها في حملة سياسية ممنهجة مضادة لبلدنا. وأكبر دليل على عدم انسجامها مع منهجها، بخصوص التعامل مع الحقائق. أولا، حيث موقفها المحتشم، من موضوع الصحراء المغربية المعروض على الأمم المتحدة، بعدم تسليمها بطبيعة النزاع، باعتباره نزاع إقليمي معروض على أنظار مجلس الأمن منذ عقود. ثانيا، بانحيازها الصريح لأطروحة محتضن الانفصال، تكون قد أخلت بقواعد الحياد المفروض في منظمة معنية بحقوق الإنسان. ثالثا، إصرارها على ترديد أطروحة تجاوزها الزمن، وعدم قدرتها حتى على الإشارة، إلى المبادرة المغربية المتعلقة بالحكم الذاتي، التي تحظى باعتراف دولي، يصفها، باستمرار، بالمبادرة الجدية وذات المصداقية. رابعا، وتتجاهل منظمة الووتش، الدعوة الأممية إلى انخراط الأطراف في إيجاد حل سياسي واقعي متفاوض حوله ومقبول من جميع الأطراف، أكد عليه باستمرار، مجلس الأمن، منذ سنوات، وآخرها بمناسبة قراره الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2021، الذي رحب فيه بالموائد المستديرة، بمشاركة جميع الأطراف، في العملية السياسية، بما فيها الدولة محتضنة الانفصال، التي تم ذكرها خمس مرات في القرار. خامسا، وتبقى منظمة الووتش، مفتقدة في الأصل لمقومات الحياد وما يفرضه من مسافة ضرورية، إزاء نزاع إقليمي من هذا الحجم، حيث، لا يمكنها أن تكون موضوعية في عرضها للحقائق، ولن تستطيع، ولو من باب الإشارة المحتشمة، ومن ذلك، التذكير، بما ورد من ترحيب في قرار مجلس الأمن، السالف الذكر، بشأن الخطوات والمبادرات التي اتخذها المغرب والدور التي تؤديه لجنتا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اللتان تعملان في مدينتي الداخلة والعيون، وكذا بتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وتشجيع تعزيز التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. سادسا، وبالمقابل، ولأن منظمة الووتش، منحازة سياسيا للطرف المحتضن للانفصال، لا يمكنها إلا أن تتغاضى على ما ورد في قرار مجلس الأمن، بخصوص انتهاكات حقوق الانسان الفردية والجماعية، المباشرة في حق المحتجزين بمخيمات تندوف بالجزائر. سابعا، وهكذا تكون الووتش، قد فقدت في الأصل والمنطلق، مقومات الحياد والمسافة الضرورية، لتقييم أوضاع حقوق الإنسان. ومن حيث النتيجة لا تستحق الرد، تبعا لذلك، حول قضاياها، التي تواصل بلادنا، مباشرتها في إطار ممارستها الاتفاقية، تبعا لالتزاماتها الدولية، وكذا بمناسبة حواراتها الاستراتيجية المنظمة مع الأطراف الدولية الوازنة المعنية.
المهاجرين واللاجئون وطالبو اللجوء
واصلت منظمة الووتش، منسجمة مع أسلوبها في التشكيك، ما يتعلق بتدبير بلادنا لقضايا الهجرة واللجوء، عندما اعتبرت، أنه فقط نصف اللاجئين يتوفرون على تصاريح إقامة منتظمة وتصاريح عمل وادعت حدوث انتهاكات لحقوق المهاجرين، في شكل مداهمات تعسفية وتهجير قسري واحتجاز تعسفي. ومرة أخرى لم تقدم أية معطيات في شأنها. وبذات الدرجة، لم تعر الاهتمام المناسب للجهود الوطنية المتعلقة بالنهوض بأوضاع المهاجرين واللاجئين، التي تشكل، في المحيط الإقليمي والجهوي، ممارسة فضلى لبلادنا، نالت تقديرا دوليا كبيرا، بما أولته من عناية للاعتراف القانوني بالمهاجرين ودراسة طلبات اللجوء والبت فيها والاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من خلال فتح قنوات للإدماج الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين وأفراد أسرهم واللاجئين وطالبي اللجوء. وتباشر بلادنا، كل ذلك، في محيط إقليمي، يتجاذبه الإرهاب والاتجار في البشر الذي يجعل من عديد اللاجئين والمهاجرين، حطبا لدماره.
باقي القضايا الأخرى
واعتبارا للمنهج الانتقائي وللخط السياسوي لمنظمة الووتش، كما تم بيانه أعلاه، فإن المندوبية الوزارية، تحيلها بخصوص باقي القضايا الأخرى الواردة في تقريرها، إذا رغبت في تدقيق الحقائق، على ما قدمته بلادنا من معطيات وبيانات في إطار الممارسة الاتفاقية وما قبلته الحكومة من توصيات صادرة في شأنها.
وفي الختام، تذكر المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، أن التفاعل الشامل مع تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش، وباقي المنظمات الدولية غير الحكومية، سيكون محط تقرير موضوعاتي مفصل سيصدر في شهر ماي المقبل، بعد اكتمال إصدار تقارير هذه المنظمات.