أصدر مؤخرا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيا بخصوص مسألة الحماية الاجتماعية في المغرب بناء على التقرير الذي أعده المجلس تحت عنوان “الحماية الاجتماعية في المغرب: واقع الحال، الحصيلة وسبل تعزيز أنظمة الضمان والمساعدة الاجتماعية”.
ويرصد التقرير خصائص الحماية الاجتماعية بالمغرب في ضوء الإطار المعياري والمؤسساتي الوطني والدولي معززة بعدد من التوصيات. ويتضمن هذا الرأي قراءة في الإطار المعياري الدولي للحماية الاجتماعية والالتزامات المغرب الدولية وواقع هذه الحماية بالمغرب سواء تعلق الأمر بحماية الأطفال والأشخاص الموجودين في وضعية بطالة والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين والتعويض عن حوادث الشغل والتغطية الاجتماعية لخدمات الرعاية الصحية،
ويقدم رأي المجلس 49 توصية تهدف إلى الإعمال الفعلي لحق أساسي من حقوق الإنسان، وتوضيح المفاهيم المرتبطة بمجال الحماية الاجتماعية وإثارة الانتباه إلى أهمية الفجوات القائمة بين مستوى العرض الذي تقدمه أنظمة الحماية الاجتماعية الحالية وحاجيات الساكنة وحقوقها في مجال الضمان الاجتماعي، مبرزا أهمية الحكامة في تطوير هذه الحماية.
واستناد إلى لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن عبارة الضمان الاجتماعي تحيل إلى” الحق في الحصول على دخل فردي في حالة التوقف عن العمل وعدم القدرة على تأمين الرعاية الصحية وضعف الدعم الأسري”. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب كان من الدول السباقة على الصعيدين الإفريقي والعربي في مجال تطوير الإطار التشريعي والتنظيمي الخاص بالحماية الاجتماعية إلا أن هذه الوتيرة تراجعت في السنين الأخيرة.
وتشمل أنظمة الحماية الاجتماعية الوطنية كل من (1) الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و(2) الصندوق المغربي للتقاعد و(3) النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد و(4) الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. كما أن 60% من السكان نشيطين غير مشمولين بنظام لمنح معاشات التقاعد وأن 46% لا ستفيدون من التغطية الصحية.
ويوصي المجلس الحكومة بملاءمة السياسات العمومية المتعلقة بالحماية الاجتماعية مع المعايير الدولية من خلال استكمال المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102(1952) بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي، والمصادقة كذلك على باقي الاتفاقيات (130 و128 و121)، واتخاذ إجراءات أخرى تهدف إلى توسيع نطاق التغطية الاجتماعية، والرفع من سقف الأجر الشهري للمساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي إلى مبلغ 6500 درهم ومقايسته على متوسط الأجور المصرح بها.
وفيما يخص الحماية الاجتماعية للأطفال، يوصي المجلس بإحداث تغيير في المفاهيم والتصورات التي يرتكز عليها وضع السياسات العمومية المتعلقة بالطفولة، من خلال اعتبار الحماية الاجتماعية للأطفال واجبا واستثمارا أساسيا في أجيال المستقبل في الآن ذاته، وهو ما يقتضي تطوير المقاربة القائمة على تحمل التعويضات العائلية حصريا من لدن المشغل، نحو مقاربة وممارسات مرتكزة على تقديم الدعم المباشر لفائدة الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 0 و15 سنة، وذلك بناء على عملية استهداف محددة. إضافة إلى تطوير مساعدات لفائدة الأطفال في شكل تحويلات مالية مشروطة وغير مشروطة: (1) تستهدف الأطفال حيثما كانوا (لدى العائلات، في المؤسسات أو لدى الأسر)، (2) تستهدف شكلا أو مجموعة من أشكال الهشاشة، (3) يتم تحديدها بناء على تحليل الوضعية الاجتماعية والاقتصادية الفردية و(4) تتسم بطابع دينامي، أي أنها تنخفض أو ترتفع حسب ما يمليه التتبع والتقييم المنتظمان لوضعية الأطفال المستفيدين.
أما بالنسبة لحوادث الشغل والأمراض المهنية، فيوصي المجلس بالعمل على غرار ما هو معتمد في عدد من التجارب الدولية وانسجاما مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة (لا سيما اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102، على الإقرار بكون المخاطر المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية تعتبر مخاطر اجتماعية والتعاطي معها على هذا الأساس، وضمان حمايتها في إطار نظام وطني للضمان الاجتماعي موحد وإجباري غير ربحي. فضلا عن تحيين وتعزيز التشريع المتعلق بطب الشغل، بما يمكن من جعل الرجوع إليه وإعماله الفعلي أمرا تلقائيا، وجعله قابلا للمراقبة وملائما للأخطار المتعلقة بالصحة والسلامة في مجموع قطاعات النشاط. علاوة على الإصلاح الجذري للتشريعات والمساطر المتعلقة بحوادث الشغل والأمراض المهنية على مستوى المعاينة والتكفل والتتبع والتعويض.
وفيما يتعلق بالحماية الاجتماعية للأشخاص الموجودين في وضعية بطالة، يوصي المجلس بالوقوف عند حصيلة منجزات السياسات العمومية في ضوء مقتضيات اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 168 المتعلقة بسياسة التشغيل والحماية من البطالة، والعمل على المصادقة على هذه الاتفاقية وإعمال توصياتها. وفي نفس السياق، يوصي المجلس بتضمين المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية تعريفا رسميا للبطالة الكاملة، باعتبارها فقدان الكسب بسبب عجز شخص عن الحصول على عمل مناسب، رغم كونه قادرا على العمل ومستعدا له وباحثا بالفعل عن العمل. وتعريف البطالة الجزئية على أنها تخفيض مؤقت في ساعات العمل العادية أو القانونية أو توقف أو نقص الكسب بسبب وقف مؤقت للعمل دون إنهاء علاقة العمل وبوجه خاص لأسباب اقتصادية أو تكنولوجية أو هيكلية أو أسباب مماثلة. ينضاف إلى ذلك العمل في إطار الحوار الاجتماعي على وضع آلية وطنية للتأمين عن البطالة قائمة على مبدأ المساهمة، تضع كيفيات لمنح التعويض عن البطالة، من شأنها أن تسهم في تعزيز العمالة الكاملة والمنتجة والمختارة بحرية، وألا يكون من أثرها عدم تشجيع أرباب العمل على عرض عمل منتج، والعمال عن البحث عن هذا العمل.
ولإضفاء الفعالية والانصاف على نظام التغطية الصحية الأساسية وتوحيد مكوناته، يوصي المجلس بالعمل على ملاءمة أنظمة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض فيما بينها، مع الحرص على اعتماد أفضل مستوى متوفر من الخدمات، لا سيما فيما يتصل بسلة العلاجات ونسبة التغطية ونسبة الاشتراكات، وذلك في أفق توحيد تلك الأنظمة عبر إرساء نظام وطني شامل للتغطية الصحية الأساسية في بحر خمس سنوات. إضافة إلى توحيد أنظمة الاحتياط الاجتماعي في ما يتعلق بمعاش التقاعد داخل أجل يتراوح ما بين 5و7 سنوات.
ولغرض تدعيم التغطية الاجتماعية لخدمات الرعاية الصحية، يوصي المجلس بالحرص على احترام وإعمال المبادئ الأساسية التي تقوم عليها التغطية الصحية الأساسية واستفادة كل المواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛ وإقامة التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على مبدأ المساهمة ومبدأ التعاضد في تحمل المخاطر، وإقامة نظام المساعدة الطبية على مبدأ التضامن الوطني لفائدة السكان المعوزين.
ولتعزيز الحماية الاجتماعية للأشخاص في وضعية إعاقة، يوصي المجلس باستكمال الإطار القانوني والتنظيمي لحماية الأشخاص في وضعية إعاقة، من خلال وضع تدابير ردعية لأشكال العنف وسوء المعاملة والتمييز إزاء هذه الفئة من الأشخاص، سواء داخل الأسرة أو في أماكن العمل أو في ما يتصل بالولوج إلى التشغيل والخدمات العمومية. إضافة إلى العمل داخل أجل مدته سنة على تفعيل المقتضى التشريعي المحدث لنظام للدعم والتشجيع والمساندة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة (المادة 6 من القانون الإطار رقم 97:13 الصادر في 27 أبريل 2016).