تواصل منظمة العفو الدولية، انخراطها في حملة ممنهجة ضد بلادنا، ضاربة عرض الحائط، بقواعد كانت سباقة إلى نشرها منذ عقود، بخصوص أهمية إجراء تحقيقات نزيهة، فعالة، محايدة وموضوعية. وتسجل المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، اليوم، رداً على تقريرها الصادر، نهاية الشهر الجاري، أن مواقف المنظمة، إزاء بلادنا، استقرت على سياسة ممنهجة، تنبني، أولا، على عدم أخذ المسافة اللازمة من نزاع الصحراء المغربية المعروض على أنظار مجلس الأمن، وثانيا، على التدخل في شؤون القضاء وسير العدالة، وثالثا، على عدم القدرة على إتيان الحجج في سائر ما تدعيه. ولا يسع المندوبية الوزارية، التي اعتادت التواصل مع المنظمات الدولية غير الحكومية، وفق ما تقتضيه التقاليد والأعراف في هذا المجال، إلا أن تبسط أوجه ردها على ما ورد في التقرير المذكور، انطلاقا من موجبات سياسة حقوق الإنسان ودفاعا عن المكتسبات الحقوقية. والكل تبعا لما يلي:
سير المحاكمات
يُقْحِم تقرير منظمة العفو الدولية، حرية التعبير، بصفة تعسفية، في ملفات معروضة على القضاء، والحال أنه لم يقدم أي معطيات تخص اضطهاد حرية التعبير، كما أن تكوين الجمعيات التي أُدرجت، بدورها، تعسفيا، في نفس الفقرة لم تقدم في شأنها أي إفادات. وتم القَفْز على سير محاكمات على ذمة الحق العام، دون أن تقدم، بشأنها، أي بيانات مستقاة، من عملية ملاحظة قامت بها هذه المنظمة، بأي شكل من الأشكال. حيث اكتفى التقرير بالقول ” إثر محاكمة لم تف بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فقد حرم، على سبيل المثال، من الحق في الاطلاع على جميع الأدلة المستخدمة ضده وتفنيدها”.
وحيث أن هذا المثال بالضبط، سبق وأن كان موضوع خلاصات أولية، بشأن ملاحظة، قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومن بين ما انتهى إليه في تقريره، احترام شرط العلنية واستيفاء مسطرة الاعتقال للمقتضيات القانونية وتأمين حقوق الدفاع واحترام الآجال المعقولة وغيرها من الضمانات ذات الصلة، وكذا، عدم الطعن في مضمون التصريحات المدونة في كناش الضابطة القضائية من طرف المتهم. ولايسع المندوبية الوزارية، أمام ذلك، إلا أن تؤكد بأن موقف العفو الدولية، غير المسنود بأي شكل من أشكال الملاحظة، يبقى مجرد تدخل سياسي في عمل من صميم السيادة الوطنية ويتعارض مع ما أقرته هذه المنظمة، منذ قرابة ربع قرن، في إطار دليل ملاحظة المحاكمة العادلة، بأن “تقييم عدالة المحاكمة الجنائية عملية معقدة متعددة الجوانب، فكل حالة تختلف عن الأخرى، ويجب أن تبحث من واقع حيثياتها وككل، ويركز التقييم في العادة على ما إذا كان سير الوقائع يتفق مع القوانين الوطنية”.
حرية التجمع
خصص تقرير منظمة العفو الدولية، فقرة لحرية التجمع، اعتبر، فيها، أنه “في أربع مرات على الأقل، قمعت السلطات احتجاجات سلمية تطالب بتحسين ظروف العمل”، “واستخدمت مرسوم حالة الطوارئ الصحية لقمع مظالم العاملين”، “وقبضت الشرطة تعسفيا على ثلاثة وثلاثين معلما كانوا يتظاهرون سلميا في الرباط”، “وفرقت المتظاهرين بالقوة بالرغم من أنهم يراعون تدابير الأمان”، ” وأُفْرج عن المعلمين مؤقتا بعد 48 ساعة”… ” وكانت محاكمتهم لا تزال جارية بحلول نهاية العام”. ومرة أخرى، يتعسف التقرير، إذ أن ما لا تَعْلَمُه هذه المنظمة، هو أن فئة من مهنيي التعليم، يجتمعون ويتظاهرون منذ أزيد من سنتين، إبان حالة الطوارئ وبعدها، وقد قاموا بذلك عشرات المرات؛ لكن الغريب في التقرير وهو يتحدث عن تفريق المتظاهرين بالقوة، لم يقدم ولو عنصراً واحداً عن شكل التفريق وطرقه وأشكاله ونطاقه وأضراره، وفي نفس الوقت، يحاول أن يصادر الحق المشروع الذي تملكه السلطة المختصة في حفظ النظام العام وفق المعايير الدولية. وينطبق نفس المنطق المؤطر للتقرير، على ما يخص إيقاف متظاهرين وإحالتهم على القضاء، وكأنه انتهاك جسيم، والحال أنه يعترف علانية بأن الإفراج عنهم تم بعد 48 ساعة. نعم تتعسف منظمة العفو الدولية، لأنها لا تملك أدلة لتقييم ممارسة حرية التجمع، الذي بات في بلادنا ممارسة من صميم المكتسبات الحقوقية. وعليه فإن التقرير، لم يستطع وبصفة قطعية، لا في حرية التعبير ولا في تكوين الجمعيات أو حرية التجمع، أن يأتي بأي قرائن، فبالأحرى بإثباتات تبرز ادعاءات انتهاكات هذه الحقوق.
التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية
ينطبق على موضوع التعذيب، ما تم ذكره في الفقرة السابقة، حيث ادعى التقرير “احتجاز”بعض السجناء في ظروف قاسية، بما في ذلك الحبس الانفرادي المطول وإلى أجل غير مسمى، مما يمثل انتهاكا لمبدأ حظر التعذيب. وهذا بدوره ادعاء مردود عليه من الأصل، لأن التقرير لا يُبْرز مصدر ووسيلة علمه والحالات المدعاة. وكما هو معلوم وقار في العمل الحقوقي الرصين لا تعالج ادعاءات بهذه الخطورة، بهكذا خفة وفي إشارة مقتضبة وسريعة. كان حريا بِمُعِدِّي التقرير، من باب الأعراف والتقاليد الحقوقية، أن يراجعوا عمل الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وتقارير معظم المنظمات الحقوقية، التي تراجعت تقيماتها حول الموضوع، وأصبح اتجاه وازن منها، شريكا رئيسيا في مشاريع النهوض بأوضاع السجناء. وتبعا لذلك، تعاين المندوبية الوزارية، أن ادعاءات التعذيب فارغة من محتواها، تبعا لما هو منشور في التقرير موضوع هذا الرد. وقطعا لا يليق أن يكون ادعاء بهذه الخطورة، محل مزايدات سياسوية. وفي جميع الأحوال لقد قطعت بلادنا بصفة نهائية مع التعذيب كانتهاك جسيم، شأنه في ذلك شأن الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وهي أمور أكدتها في أكثر من مناسبة الآليات الأممية لحقوق الإنسان.
الحق في الخصوصية
يعود تقرير منظمة العفو الدولية، وتحت عنوان الحق في الخصوصية، وبطريقة محتشمة إلى قصتها الخيالية، أن “السلطات المغربية استخدمت بكثافة برنامج بيغاسوس الإلكتروني للتجسس”. نعم، إنها عودة محتشمة، تُبرز العجز البَيّن للمنظمة عن الإتيان بحججها، رغم المطالبات المتكررة للسلطات العمومية في خمس مناسبات ما بين يونيو 2020 وفبراير 2022. ولا يسع المندوبية الوزارية بالمناسبة، إلا أن تعتبر أن ما ادعته منظمة العفو الدولية يتعارض مع منهجها بشأن إجراء الأبحاث “بصورة منهجية وحيادية” و”بإماطة اللثام عن انتهاكات حقوق الإنسان بدقة وسرعة وإصرار”. كما ينص على ذلك، قانونها الأساسي المعدل عام 2019.
الصحراء المغربية
تعكس الإشارات المتفرقة المتعلقة بالصحراء المغربية في تقرير المنظمة، عدم حيادها بالمرة في نزاع معروض على أنظار مجلس الأمن، منذ سنوات طوال، وهكذا قدمت للموضوع بانتهاك “حقوق النشطاء الصحراويين المؤيدين لاستقلال الصحراء الغربية من خلال أوامر الإقامة الجبرية التعسفية والمعاملة السيئة والمضايقات وافتقار بعثة المينورسو إلى صلاحيات في مجال حقوق الإنسان”، وفي محاولة للبحث عن حالات فردية، تعزز بها ادعاءاتها التعسفية، عرضت لحالة مداهمة منزل “ناشطة صحراوية” في مدينة بوجدور، كما ادعى التقرير الاعتداء عليها، بل وذهب بعيدا في ادعاء الاعتداء الجنسي عليها وعلى أفراد من عائلتها. ولا يسع المندوبية الوزارية، رفعا للغموض واللبس المقصودين، إلا أن تقدم التوضيحات الآتية:
أولا، بخصوص حالة “الناشطة الصحراوية” المزعومة. أوضح المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في إفادة أخيرة، أنه تم عقد: “جلسات استماع مع السلطات وعائلة وجيران وفاعلين بمدينة بوجدور بخصوص ادعاءات متكررة ومتواترة للسيدة (…) التي رفضت تقديم ما يفيد ادعاءاتها، كما رفضت التجاوب مع النيابة العامة التي وجهت لها إشعارا، بواسطة المفوض القضائي، بخصوص التحقيق الذي فتحته بخصوص ادعائها تعرضها للضرب على مستوى العين. وبتكليف من رئيسة المجلس، كانت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان، قد قامت ما بين دجنبر 2020 ويوليوز 2021 ب 17 محاولة للاستماع لها، تفاعلت السيدة (…)، مرة واحدة”. وكان يلزم بعض الوقت، ليوضع حد للخطاب التضليلي “للناشطة الصحراوية” المزعومة، بعد تأكد انخراطها العلني في البوليساريو بزيها العسكري. ومن الطبيعي أن من يوجد في مثل هذا الموقع المسلح، يمكن أن يُطلق ما يشاء من ادعاءات الانتهاكات في حقه أو في حق عائلته، لأنه يوجد في وضعية عداء مستحكم. وإن الغريب في الأمر، هو انحياز منظمة العفو الدولية، لذلك، لهو من أوجه عدم حيادها في نزاع الصحراء المغربية.
ثانيا، إصرار المنظمة على تجاهل المبادرة المغربية المتعلقة بالحكم الذاتي، التي توصف باستمرار، بالمبادرة الجدية وذات المصداقية. ولا شك أن منظمة العفو الدولية، تدرك مدلول التأكيد السياسي على هذا الوصف.
ثالثا، تَجاهل التقرير، الترحيب المنتظم لقرار مجلس الأمن، بشأن الخطوات والمبادرات التي اتخذها المغرب والدور التي تؤديه لجنتا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، اللتان تعملان في مدينتي الداخلة والعيون، وكذا بتفاعل المغرب مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتشجيع تعزيز التعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
رابعا، يدعي تقرير المنظمة، أن المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، غير قادرة “على دخول معسكرات البوليساريو” في حين لا يتردد تقرير نفس المنظمة حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، إلى التنويه بالقول “وبالرغم من جهود الحكومة لتطعيم اللاجئين الصحراوين في المخيمات في تندوف، بدءا من مايو/ أيار، فقد أدت موجة من فيروس كوفيد 19 في يوليو/ تموز إلى وفاة ما يزيد عن 63 من اللاجئين”. ولا يحتاج الملاحظ، لكثير عَنَاء، ليقف على قدرة منظمة دولية غير حكومية، لمعرفة ما يجري بخصوص جائحة كورونا، دون أن ترى حجم الانتهاكات الجسيمة، التي يتردد صداها عبر العالم في هذه المنطقة المحاصرة منذ عقود، والتي أكدها مرة أخرى قرار مجلس الأمن، بخصوص انتهاكات حقوق الانسان الفردية والجماعية، المباشرة في حق المحتجزين بمخيمات تندوف بالجزائر.
التدابير المرتبطة بجائحة كورونا
يُنْكِر تقرير منظمة العفو الدولية، انسجاما مع منهجه، غير الموضوعي، الجهود الاسثتنائية، للمملكة المغربية، للتصدي لجائحة كورونا، حيث كانت في ظل الإرادة السياسية العليا للدولة، حريصة على تعزيز حماية حقوق الإنسان، سباقة، حاضرة، حاضنة، حامية للحق في الحياة والصحة العامة، متخذة تدابير في نطاق القانون، للوقاية من انتشار الفيروس واحتوائه واعتماد إجراءات للتخفيف من تداعياته، وتأمين الحاجيات الأساسية للمواطنين، والاقتناء المبكر للقاح من السوق الدولية وضمان الولوج إليه مجانا، والعمل على تأمين السيادة اللقاحية للمملكة المغربية، والحرص في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بفرض حالة الطوارئ على ضمان التوازن بين التدابير الاحترازية والالتزمات الدولية لحقوق الإنسان وتحديات الوضع الاجتماعي والاقتصادي. وهي اليوم عنوان التجربة المغربية التي يشيد العالم بأدائها النموذجي وطابعها المتميز.
حقوق اللاجئين والمهاجرين
واصلت منظمة العفو الدولية، سيراً على نهجها السالف الذكر، التشكيك في جهود المملكة المغربية، المرتبطة بالهجرة واللجوء، من خلال الادعاء ب”تعريض المهاجرين للاحتجاز التعسفي والترحيل والطرد والإخلاء القسري وحرق المتعلقات”، مستندة في ذلك على رواية أحادية، مؤكدة، بذلك، أن معطياتها انتقائية وعامة وتفتقر للدليل والإثبات، لاسيما وأنها لم تعر أي اهتمام لدور المغرب في هذا المجال، وما يوليه من عناية خاصة وإنسانية للأوضاع القانونية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية للمهاجرين وطالبي اللجوء.
وختاما ونظرا للأسلوب التعسفي، لتقرير منظمة العفو الدولية وتوجهاتها السياسية في التعامل مع وضعية حقوق الإنسان في بلادنا، كما تم التفصيل فيه أعلاه، فإن باقي الأمور الواردة في التقرير تنطبق عليها منهجية رد المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان.