نظمت المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء ومكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية، ندوة دولية رفيعة المستوى، احتفالا بالذكرى الخامسة لخطة عمل القادة والفاعلين الدينيين في منع التحريض على العنف، الذي قد يؤدي إلى ارتكاب جرائم وحشية.
وشكلت الندوة التي انعقدت بمدينة فاس في شهر يوليوز 2022، لحظة تاريخية لتقييم المنجزات وتجويدها في سبيل عالم أفضل خال من كل مظاهر التطرف وأشكال الإرهاب وأنواع العنف.
وتميزت الجلسة الافتتاحية للندوة بكلمة السيد أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، والتي أشاد فيها بخطة عمل فاس لالتزامها بتعزيز السلم والتفاهم والاحترام المتبادل والحقوق الأساسية لجميع الشعوب، مضيفا في الكلمة التي ألقاها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، أهمية الخطة التي قدمت مسارات مختلفة يمكن من خلالها للقادة الدينيين المساهمة في تحقيق السلم والاستقرار.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة :”أشيد بهذه الخطة لالتزامها بتعزيز السلم والتفاهم والاحترام المتبادل والحقوق الأساسية لجميع الشعوب، ولتقديم مختلف المسارات التي يمكن من خلالها للقادة الدينيين المساهمة في تحقيق السلم والاستقرار”.
وأبرز الأمين العام للأمم المتحدة أهمية هذه الروح من التعاطف والتعاون في وقت يشهد فيه العالم إضرابا يتسم بالمجاعة والكراهية والفقر والأوبئة والكوارث والفوارق وعدم التسامح، مضيفا أنه على مستوى الأمم المتحدة يتم التعامل مع شركائها الدينيين لتقريب الأشخاص وبناء مجتمع متساو تكون فيه حقوق الإنسان لكل شخص محترمة بالكامل، داعيا إلى مواصلة العمل من أجل مد الجسور بين الأديان وخلق عالم أكثر سلما وعدلا للجميع.
ومن جهتها، أبرزت الأمينة العامة المساعدة والمستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية “أليس ويريمو نديريتو” أهمية الندوة باعتبار خطة عمل فاس تعد وثيقة جد هامة :”لقد طفنا بهذه الخطة العالم بأسره، وسافرت إلى كل مكان، إلى بنغلاديش وجمهورية إفريقيا الوسطى والعراق والبوسنة والهرسك وألمانيا وإلى عدد من البلدان الأخرى في العالم لمناقشة هذه الوثيقة وبحث ما يمكننا فعله.
وأشادت بدور المغرب في تبني القرار القاضي باعتماد يوم عالمي لمحاربة خطابات الكراهية والمتمثل في 18 يونيو من كل سنة، معلنة امتنانها للمملكة المغربية على جميع مبادراتها، ومشيرة إلى خطة الرباط بشأن حظر الدعوة لخطابات الكراهية.
ومن جهته، أكد السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أن الندوة مناسبة على قدر كبير من الأهمية لتقييم المنجزات بعد مرور خمسة سنوات من اعتمادها، وطرح ومناقشة تحديات جهود مكافحة ظاهرة التحريض على العنف وخطاب الكراهية، والبحث عن سبل ناجعة وفعالة لمواجهتها من طرف كل الفاعلين في ظل ظرفية دولية ما زال يشكل فيها التطرف العنيف ظاهرة معقدة تشغل بال المنتظم الدولي الذي ما فتئ يبذل قصارى الجهود لمواجهتها في إطار احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وذكر السيد وزير العدل بدور المملكة المغربية في سياق هذه المجهود، باعتبارها بلدا يتوفر على رصيد تاريخي غني بالتسامح والتعايش والتمازج بين الأديان، بحكم الدور التاريخي والمركزي لمؤسسة إمارة المؤمنين التي يمثلها رئيس الدولة جلالة الملك حفظه الله، في بعدها الرمزي والروحي والوظيفي، كضمانة وركيزة أساسية لحماية الحقوق والحريات المكفولة بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والتي يعد المغرب طرفا فيها، مما يضمن الطمأنينة الدينية والروحية، ويحمي المجتمع من كل غلو أو انحراف في تفسير الدين لأغراض التحريض على العنف والتمييز والكراهية، فضلا عما تخوله إمارة المؤمنين من أدوار في إطار الديبلوماسية الدينية الموجهة إلى البلدان المجاورة والصديقة المهددة بالتطرف الديني، من حيث نشر العبادة وخاصة تدريب الأئمة.
وفي كلمة السيد المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، قال السيد أحمد شوقي بنيوب : “يشرفني عاليا أن أغتنم هذه المناسبة لأرحب بكم جميعا وبضيوف المغرب في بلدهم الثاني الذي يواصل، بعزيمة وثبات بفضل قيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، التصدي للإرهاب والعنف، من خلال استراتيجية استباقية وخطط وبرامج عمل تنبني على اليقظة والمرونة والتدخل الحازم، لصد التهديدات والمخاطر المحتملة، كما يستند التصدي على مقاربات بأبعاد تنموية تربط بين الجوانب الروحية والمادية، وتعزيز الحكامة الأمنية، ومحاربة الفقر والاقصاء والتهميش الاجتماعي، ونشر قيم الاعتدال الديني والوسطية والتسامح ونبذ العنف بما يسهم في اجتثاث الجذور الفكرية والثقافية التي تغدي الكراهية والتمييز والتطرف العنيف”.
وأضاف السيد أحمد شوقي بنيوب في الكلمة التي ألقاها بالنيابة السيد عبد الكريم بوجرادي، الكاتب العام للمندوبية، أنه لاشك أن استقبال بلادنا لهذا المؤتمر الثالث من نوعه، الذي تتشرف المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان والرابطة المحمدية للعلماء، بتنظيمه بشراكة مع مكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية ومسؤولية الحماية، يشكل التزاما بمواصلة العمل على تفعيل نتائج خطة عمل الرباط وخطة عمل فاس وباقي المحطات الدولية الأخرى التي تجسد استمرارية الحوارات الحضارية الحقوقية الهامة والتي يقودها علماء بارزون وقادة دينيون متميزون بغرض الاسهام في تعزيز السلم والأمن وحماية حقوق الإنسان ومن هنا فضيلة ودور الحوار وتعميق التفكير وتبادل الممارسات الفضلى والدروس المستفادة على مستوى التفعيل والإعمال.
وقال السيد المندوب الوزاري في ختام كلمته :” ومن المؤكد أن هذا اللقاء سيمثل قيمة مضافة، بفضل الحضور النوعي والهام للمشاركين والمشاركات من مختلف المناطق الجغرافية والتمثيلية الوازنة الرفيعة المستوى للمؤسسات الدولية والوطنية المعنية بهذا الموضوع، والمنهجية المعتمدة لإدارة المؤتمر وتأطير جلساته، وستجدون السادة المشاركون والمشاركات علاقة مع قضايا اللقاء، في أخي وصديقي الأستاذ أحمد عبادي، العالم الجليل والمحاور الفاضل، خير من يمثل مؤسستينا في إثراء النقاش وتعزيز الحوار”.
ومن جهته، أكد السيد عمر هلال، السفير الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، التزام المملكة بالقيم العالمية للسلام والتعايش السلمي والتسامح الديني والحوار بين الثقافات والحضارات، مؤكدا في الكلمة التي ألقاها في افتتاح أشغال الندوة رفيعة المستوى احتفالا بالذكرى الخامسة لخطة عمل القادة الدينيين الرامية إلى منع التحريض على العنف، الذي قد يؤدي إلى ارتكاب جرائم وحشية:”إن التزام المملكة المغربية بالقيم العالمية للسلام والتعايش السلمي والتسامح الديني والحوار بين الثقافات والحضارات ليس وليد الأمس، بل إنه إرث لطالما حظي برعاية جميع الملوك المغاربة”.
وأضاف السيد عمر هلال أنه طبقا للتعليمات السامية، فقد عزز المغرب تعاونه مع الأمم المتحدة، وجميع الوكالات من أجل التنفيذ الفعال والفعلي لخطة عمل فاس من خلال العديد من الأنشطة والمبادرات، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بالقرار التاريخي للجمعية العامة 328/73 حول تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات والتسامح في محاربة خطاب الكراهية، وتنظيم ندوة مرئية رفيعة المستوى حول دور القادة الدينيين في مواجهة التحديات المتعددة لوباء كورونا، واعتماد الجمعية العامة، بمبادرة من المغرب، للقرار غير المسبوق 309/75 الذي أعلن يوم 18 يونيو من كل سنة يوما عالميا لمناهضة خطاب الكراهية.
وأشار إلى تنظيم المغرب لحوار طنجة الذي جمع أكثر من 80 من القادة السياسيين والأكاديميين، فضلا عن المفكرين والقادة الدينيين والفاعلين في المجتمع المدني، مضيفا في هذا الصدد، إلى أن الحوار كان بمثابة منصة أساسية لمناقشة مستقبل العلاقات بين المنطقة العربية والغرب، والانخراط في حوار مفتوح من أجل تحديد معالم عالم أفضل على أساس قيم التحالف والتضامن الإنساني والتعايش والاحترام المتبادل.
وأكد السيد السفير أن خطة عمل فاس وثيقة رائدة وخارطة طريق حية وسريعة الاستجابة لحماية دعائم السلام والأمن، واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، وتحفيز التنمية المستدامة للجميع، مضيفا أن المغرب لم يتوانى، سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، في تأكيد إرثه التاريخي وخياره الاستراتيجي، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، باعتباره فاعلا على الدوام لفائدة التسامح والاعتدال والتعايش والحوار بين مختلف الثقافات والأديان.
ودعى الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إلى التأقلم مع التغيرات التي تحدث بشكل سريع في العالم، وإلى مزيد من اليقظة في مواجهة التحولات العميقة الجارية، مشددا على حقوق التضامن التي أساسها الحق والسلام.
وأشار الدكتور عبادي إلى أن الأنبياء ورسل الله وحكماء العالم أثاروا الانتباه، منذ آلاف السنين، إلى مفهوم أساسي يتمثل في أن خلاص الإنسانية يكمن في التعايش معها، مؤكدا أن خطة فاس تتمحور حول محاور ثلاثة: أولها الوقاية من كل ما يمكن أن يكون مصدرا لخطاب الكراهية والنبذ والإقصاء، والمحور الثاني هو التعزيز والتقوية من خلال بناء القدرات، والتي ينبغي أن تتصرف إلى البعد التمثلي التصوري، ثم البعد الفكري، ثم البعد الوجداني، والبعد الذي فيه الاستيعابية للمحيط الذي نحيا فيه سواء كان محليا، إقليميا، جهويا أو كونيا: “كما لا بد أن نستذكر أننا لسنا على انفراد في هذا الكوكب الصغير، وإنما نحن نحيا مع أسرة ممتدة ينبغي أن نبسط الأيدي للقاء بعناصرها حتى نستطيع العمل المشترك، والعيش المشترك، لنا وللأجيال المقبلة”.
ومن جهته، أكد أسقف الرباط السيد “كريستوبال لوبيز روميرو” أن المساهمة القيمة التي يمكن للزعماء والفاعلين الدينيين تقديمها للوقاية من العنف ومكافحة الإرهاب والحث على السلام، تكمن في “الاعتقاد بالأخوة البشرية الكونية ونشر هذه القاعدة من خلال مشاركتها مع من حولنا”، مضيفا :”أن الإيمان بالله والإيمان بالأخوة البشرية يسيران جنبا إلى جنب، ولا يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر”، ومؤكدا أن “الله خلق البشر متساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، ودعاهم إلى التعايش على الأرض كإخوة”.
واعتبر أسقف الرباط، أنه يتعين علينا الانتقال من ثقافة التسامج والتعايش إلى ثقافة الاحترام والمعرفة المتبادلة والتعاون وتقدير الآخر، مذكرا بأن جلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، عبر عن هذه الأفكار في خطابه بصومعة حسان بالرباط أمام قداسة البابا فرانسيس خلال زيارته إلى المغرب.
ومن جهته، أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أن الانتشار المتزايد لخطاب الكراهية والأفكار المتطرفة، الموجه بشكل خاص ضد النساء والفتيات والأقليات العرقية والدينية والمهاجرين، يستدعي العمل المشترك لترسيخ قيم التعايش والسلام.
وأشاد المدير العام للإيسيسكو، الدكتور سالم بن محمد المالك، بخطة عمل فاس باعتبارها تتميز بالجدية والفرادة منذ إطلاقها لمجابهة التحريض المفضي إلى جرائم تهدد الإنسانية، مشيرا إلى الحضور المتميز لمسؤولين ورؤساء منظمات دولية وقيادات دينية وفكرية عالمية، لتجديد روح البحث والتقصي واستكشاف مسارات تكفل ترسيخ قيم التعايش المشترك.